لم الاحظ أنني أصبحت أضيف الفكاهة عند حديثي عن المواضيع المأساوية، إلا بعد ما رأيت نظرة الخوف والاندهاش في عيني تلك الفتاة وأنا أحدثها عن موضوع مأساوي حدث في إحدى الدول العربية، وعلى فمي ابتسامة كبيرة.
هذه الفتاة من دول العالم الأول، لذلك لازالت هذه الاخبار تصيبها بالهلع ولا يمكن بحال من الأحوال أن تنظر للموضوع بنظرة فكاهية، ومن المرجح أنها ظنت أنني شخصية سيكوباثية.
منذ ذلك اليوم، قررت أن أكون حذرة، فعند الحديث عن موضوع يخصنا نحن العرب علي أن أتأكد هل الحديث عنه بسخرية والضحك من الموقف سيكون مناسبا أو مستغربا.
يقال أن الشعوب الأكثر معاناة هي الشعوب التي تبحث عن الفكاهة وتمزجها بكل ما هو مأساوي، فمثلا الشعب المصري معروف بخفة دمه لدرجة أنني قرأت تعليق على الفيسبوك لامرأة تقول "ده سلو بلدنا" ووضعت صورة وجة ضاحك ردا على موضوع قفز شابين من القطار لأنهما لم يدفعا ثمن التذكرة.
ورغم أن الموضوع شديد المأساوية خاصة أن نتيجة هذه القفزة موت الشاب، إلا أنها أستطاعت أن تجد ما يخفف من وقع المأساة ويجعله موقفا مضحكا.
ولكن هل السخرية والضحك في هذه المواقف مفيد أو أنه يجعلنا نصاب بالتبلد؟ من وجهة نظري أن التعود على مشاهدة المواقف المأساوية وفقدان الأمل في تغيير الواقع هو الذي يجعلك تصاب بالتبلد حفاظا على قواك العقلية، ولكن هذا التبلد سيجعل المآسي تستمر ولن يوقفها أحد.
قبل أشهر بسبب الإهمال في مطار عدن تعرض شخص لصعقة كهربائية وهو يمسك بمروحة موجودة في المطار، ليس هذا الغريب فالمطار حالته سيئة ولكن الغريب هو رد فعل من حوله، الكل كان متبلدا رغم أن الرجل أمامهم جسمه يرتعش لوقت طويل إلى أن سقط على الأرض ميتا. سبب تبلدهم هو أنهم اعتادوا على المناظر المأساوية.
نفس التبلد هذا أصاب ركاب القطار في مصر، إذ لم يبادر أحدهم لدفع قيمة تذاكر الشابين، والسبب أنه من المعتاد أن يخاطر الناس بالقفز لداخل القطار أو النزول منه وهو يمشي.
الشعوب العربية عانت طويلا، واللامبالاة ما هي إلا ردة فعل وأسلوب للحماية وللاستمرار في هذه الحياة، لذلك لو وجد من يحكي عن قصة مأساوية ويتبع الموضوع بضحكة ساخرة، فاعلم أنه تعرض للكثير من الألم وأن الضحك هو السبيل الوحيد للتنفيس.
هند الإرياني
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك