لما كنا صغيرين وبنتخانق في المدرسة كان دايما ييجي طفل يرمي شنطة طفل تاني ع الأرض، ولما الطفل التاني يحاول يرد له نفس الحركة، كان الطفل الأول بيثير خوفه بإنه يقوله إنه ما ينفعش يرمي الشنطة على الأرض عشان حرام، جواها كتاب دين.
الموقف ده بيتردد في ذهني كتير خاصة عندما أقرأ أو أشاهد أحد الشيوخ يلقي بفتاواه التي أرى أنها تخالف المنطق والعقل وأحيانا حتى الدين متمترسا خلف حقيقة إن ماحدش يقدر يعارض لأنه هو وحده رجل الدين..
وعدم منطقية الفتاوى بيكون له أسباب كتير، أحيانا لأن مصدر الفتوى متأخر عن اللحاق بركب التكنولوجيا, شيوخ بيفتوا في شرعية عمليات أطفال الأنابيب مثلا وهم ما قروش حرف عن المبدأ العلمي الواقف وراءها، وأحيانا لأن الشيخ يصر على الأخذ بالفتاوى القديمة اللي تم إصدارها منذ قرون دون الالتفات لظروف العصر.
لكن المشكلة الأكبر والأعمق بالنسبة لي هي الفتاوى اللي بتخالف المنطق فقط لأن مصدرها متحيز لجنسه، وكونه بيدافع عن مجتمع يسود فيه هو وأقرانه مهما كانت الأسباب والنتائج.
خلينا نشوف مثلا مجموعة من النصائح أو الفتاوى اللي بتصدر بشكل دوري في ما يتعلق بالعلاقة بين الزوج الزوجة.
مثلا:
السائلة: يا شيخ جوزي بيخونني مع الشغالة, أعمل إيه؟ الشيخ: الست العاقلة تحتوي جوزها وتعينه على نفسه, وبعدين ما انتي اللي غلطانة، تدخلي شغالة البيت ليه؟
السائلة: جوزي بيضربني وبيضرب العيال. الشيخ: الزوجة العاقلة هي من تفهم زوجها وتتحاشى عمل ما يثير غضبه، أما بالنسبة للأولاد هو عارف مصلحتهم وأكيد غرضه تربيتهم وتأديبهم.
السائلة: يا شيخ جوزي بيتحرش ببناته وأنا أخدتهم وروحنا عيشنا في شقة بعيد عنه. الشيخ: غلطانة، يا تسامحي يا تطلقي، لكن تعيشي بعيد عن جوزك بدون إذنه؟ أنا لا يمكن أوافق على كده أبدا.
وفي نفس الوقت فيه هذا السؤال المتكرر من زوج زوجته قررت تخلع حجابها رغما عن إرادته فيوصيه الشيخ بالحديث معها مرة واتنين، التالتة ما اقتنعتش يطلقها فورا.
وهنا يتضح لنا شيء مهم وهو أن النصيحة هنا متعلقة بالشكل الأمثل لمنظومة الزواج أو للمجتمع من وجهة نظر شيوخنا الأعزاء، حيث الزوج أو الرجل هو مصدر الفعل حتى لو كان الفعل ده وضيع. والزوجة هي فقط رد فعل ولا يسمح أن يكون لها قرار مستقل أو منفصل عن الزوج وإرادته حتى لو كان القرار ده هدفه حماية نفسها من أذاه، فهي دايما طرف تابع ولازم يظل تابع، وإلا هيبقى ضاع إسلامنا والله.
إنه رعب المجتمع البطريركي الأبوي الذكوري من إن المراة تمسك بعصا المبادرة ويصبح لها كيان مستقل أو قرار بعيدا عن سلطة شنب سبع البرومبة اللي ممكن يكون زاني أو متوحش أو حرامي أو سكير، مش مهم، المهم إن القرار يفضل يبدأ به وينتهي إليه.
إنها معركة الاستقلال والتخلص من التبعية المستمرة منذ فجر التاريخ، ولكن يتم وضعها في "الشنطة اللي فيها كتاب دين" حتى تظن النساء أنه لا يحق لهن المساس بها.
غادة عبد العال
مدونة وكاتبة مصرية ساخرة تمارس مهنة الصيدلة. بدأت مدونتها "عايزة اتجوز" عام 2006 قبل أن تنشر في كتاب عام 2009 تُرجم إلى لغات عدة عالمية منها الفرنسية وعرض في مسلسل حصل على الجائزة الفضية في مهرجان الإعلام العربي وحصلت عنه عبد العال على جائزة أحسن سيناريو. تكتب منذ 2009 مقالاً ثابتاً في الصحافة المصرية.
فيس بوك اضغط هنا
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك