يقول أبو الرواية العربية نجيب محفوظ: "كُتب علينا أن نعايش الهموم ونتجرّع الأحزان ونكظم الغيظ أو نزفره نكاتًا ونوادر هزلية". فالسخرية هي متنفّس الانسان وسط حياة صعبة وشاقّة. لكنّ حكوماتنا القمعية وزعاماتنا الدينية لا تتمتع بحس الفكاهة، وتمنع عن الناس هذا الحقّ، وتتلقى السخرية تهديداً لهيبتها المقدسة. فكرت كثيرا بهذا الموضوع بعد البلبلة التي عادت وأثارتها قضية تشارلي ايبدو مؤخراً في فرنسا. فكّرت: إذا كان مثل هذا حدث ويحدث في فرنسا، شو بدنا نحكي لنحكي هون؟ من يحمي حقنا في السخرية في عالمٍ لا يصون حقّنا البديهي في التعبير، ومع سلطات تتجرأ على تهديد وترهيب واستدعاء ومعاقبة كل من يُقدم على التهكم من رئيس أو وزير أو قائد، أو أي شخصية معنوية أخرى أو رمز تُحيطه هالة من القدسية؟
نفش خلقنا بالسخرية في كل مناحي الحياة، في المسارح، ومدرّجات الجامعات، والمقاهي، والملاعب، والبيوت، بل حتى في الاجتماعات المهمة، وفي الجلسات الحميمة. نفش خلقنا بالسخرية في حواراتنا مع ذواتنا خصوصاً، فما من متعة تُضاهي تعرية أنفسنا أمام أنفسنا بالضحك على زلاتنا. ألا يقال إن السخرية هي أعلى درجات الفلسفة، والاحتجاج الناعم، والتحايل على المفارقات، واللعب مع الوجع؟ هي لغة المسحوقين و"الغلابة". هي صوت الثورة وانتقام الضحك. لهذا يخافونها. فهي تعمل على بلورة وعي جمعي يتحدى هالة الرعب والوقار التي يستغلها الزعيم، وتحفّز الناس على النظر إليه كمجرد إنسان ومساءلته. لذلك فإن الرد على السخرية بالترهيب والتهديد ما هو إلا برهان ضعف، ووسيلة المفلسين. لمن يفعل ذلك نقول: ابتكروا جديداً. فقد ألفنا تهديدكم ولم يعد يرهبنا. مهما حاولتم فلن يتوقف سيل نقدنا الساخر حيالكم. نحن كرما وإنتو بتستاهلو.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك