تفاؤل

أشرب قهوة الصباح بينما أتصفّح الجرائد، فتصدّ العناوين والأخبار شهيتي، وتحول دون تناولي طعام الفطور: خطّة ‏جديدة منحّفة دأبتُ عليها منذ شرعتُ في اتباع ريجيم غذائي. لوجوه قادة بلادي وتصريحاتهم فائدةٌ ما، أفكّر في تفاؤل. ‏

أقصد سيارتي لأذهب الى العمل. على الاوتوستراد، تقع السيارة في حفرة كبيرة لم تكن موجودة في الأمس، ثم في حفرة ‏ثانية، فثالثة. تساهم هذه الخضّات المتتالية في تحريك دورتي الدموية، التي قال طبيبي إنها بطيئة نسبياً وتحتاج الى تنشيط.‏

لحُفَر الطرق في بلادي فائدة ما، أفكّر في تفاؤل، وأروح ابحث عن حفرة رابعة تجعل الدماء تصل إلى قلبي الذي شلّه ‏القلق.‏

أدير الراديو لأنسى عجقة السير، فتطالعني أغنية لمطرب "خنشور" يخاطبني فيها أنا المرأة اللبنانية قائلا: "روحي ‏تضبضبي". أتوتّر و"أنرفز"، فيساهم هذا التوتّر في التعويض عن هدوئي الطبيعي الذي يغيظ أفراد عائلتي. لسخافة ‏المطربين في بلادي فائدةٌ ما، أفكّر في تفاؤل.‏

أغادر مكتبي عند الخامسة وأقرر الذهاب إلى السوبرماركت. تكاد تقصف عمري الأسعارُ التي لا تنفك ترتفع، بينما ‏المعاشات "راوح مكانك".‏

‏ أعود إلى المنزل منهكةً. أدير التلفزيون كي أرتاح قليلاً من عناء النهار، فيصفع عينيّ ومسامعي برنامجٌ حواريّ يتلاكم ‏فيه السياسيون. تضعف شهيتي من جديد أمام مدّ النفاق العارم هذا، فأستغني بسعادة عن وجبة العشاء، وأنام خفيفةَ المعدة ‏قريرة العين، شاكرةً حظي لأني لم أُقتَل ولم أشوَّه ولم أُشرَّد بعد، إلى أن يوقظني من جديد، عند فجر اليوم التالي، الكابوس ‏اللعين إياه.‏