في إحدى الإقامات السكنية وسط الرباط، سمع السكان صراخا من أحد الجيران، ضد أربعة شباب من بلدان مختلفة من إفريقيا جنوب الصحراء، يتهمهم فيها بأنهم "أدخلوا بنات إلى الشقة، مما يشكل إخلالا بالأخلاق العامة".
كاتبة وصحافية مغربية، لها مشاركات عديدة في العديد من المنابر المغربية والأجنبية. نشرت رواية "مجنونة يوسف" عام 2003 كما ساهمت في تأليف ثلاث كتب مشتركة: "رسائل إلى شاب مغربي"، "التغطية الصحافية للتنوع في المجتمع المغربي" و"النساء والديانات". نشرت عام 2017 كتاب "الجنسانية والعزوبة في المغرب"، وهي دراسة سوسيولوجية قامت بها للحصول على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من "معهد الدراسات السياسية" في إيكس أون بروفانس بفرنسا.
فيس بوك اضغط هنا
الجار العزيز كان يتحدث عن الجيران "الأفارقة"، وكأنه - كمغربي مقيم في المغرب- ينتمي إلى قارة أخرى غير القارة الإفريقية. كثيرون من المغاربة مثلُه، يتحدثون عن المهاجرين "الأفارقة" في المغرب، وكأننا ننتمي إلى قارة أخرى. حتى أن الفيس بوك كان قد ساهم في تعميم إعلان وضعه أحد الملاك على نافذة شقة يعرضها للكراء. اللوحة كانت تقول: "للكراء. ممنوع على الأفارقة".
في حكاية هذا الجار الذي كان يحتج ضد جيرانه، الكثيرَ من تمثلات العنصرية المتخفية لدى المغاربة. هم أربعة طلبة، يؤجرون شقة في حي محترم، يدفعون إيجارهم بانتظام، فماذا نعيب عليهم؟
بينهم، كان هناك طالب في سنته الخامسة بكلية الطب بالرباط. في الغالب مستواه التعليمي أكبر من مستوى ذلك الجار الذي يحتج ضده. فوق كل هذا، فقد كان الشباب الأربعة يستقبلون بعض أصدقائهم وصديقاتهم، بدون ضوضاء. لم يتسببوا في أي إزعاج للجيران. لا سكرٌ علني ولا ضوضاء ولا موسيقى بصوت مرتفع...
لنتساءل بصدق وبدون نفاق: ماذا لو كان هؤلاء الطلبة من أصول سويدية أو بريطانية أو أمريكية أو أي من تلك الجنسيات التي نعتبرها "سامية" و "راقية"...؟ هل كان الجيران سيحتجون ضدهم لأنهم استقبلوا صديقاتهم في شقتهم؟ ألم يكونوا ليعتبروا ذلك أمرا طبيعيا جدا وجزءا من ثقافة الآخر، المختلف؟
لكن لا... لم يكن الأمر يتعلق إلا بمهاجرين "أفارقة" كما تقول الأغلبية. أن يكونوا طلبة في كلية الطب أو في معاهد جامعية أخرى، أن يحترموا شروط المساكنة والمواطنة وأن يحترموا القانون... كل هذا لا يشفع لهم كونهم سود البشرة. هذه هي الحقيقة المفجعة. حقيقة كوننا نشتكي كثيرا من عنصرية الأوروبيين، لكننا في الواقع شعب عنصري جدا... عنصري حتى النخاع.
سناء العاجي