في كل مجتمع، هناك فئات مختلفة من الأفكار والتوجهات. هناك أشخاص يحملون فكرا حرا حداثيا، أشخاص محافظون يفضلون العيش في إطار التقاليد والأفكار المتوارثة، أشخاص متعددو الهوية وأشخاص أحاديو النظرة، إلى غير ذلك من التصنيفات...
لكل شخص قناعاته وتوجهاته... ليست هنا المشكلة، فهذا حق أساسي يُفترض أن يكون مضمونا لكل مواطن: أن يختار نمط تفكيره وأسلوب عيشه.
كاتبة وصحافية مغربية، لها مشاركات عديدة في العديد من المنابر المغربية والأجنبية. نشرت رواية "مجنونة يوسف" عام 2003 كما ساهمت في تأليف ثلاث كتب مشتركة: "رسائل إلى شاب مغربي"، "التغطية الصحافية للتنوع في المجتمع المغربي" و"النساء والديانات". نشرت عام 2017 كتاب "الجنسانية والعزوبة في المغرب"، وهي دراسة سوسيولوجية قامت بها للحصول على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من "معهد الدراسات السياسية" في إيكس أون بروفانس بفرنسا.
فيس بوك اضغط هنا
مثلا، من حق أي كان أن يكون شخصا محافظا وأن لا يقبل الأفكار الحداثية التقدمية الحرة. لكن ليس من حقه أن يفرض وجهة نظره على من يحيطون به أو أن يقصيهم بسبب اختلافهم.
نفس الشيء بالنسبة للحداثي الذي يبقى له كامل الحق في الدفاع عن تصوره للمجتمع؛ دون أن يفرض وجهة النظر تلك على من لا يعتنقها.
لكن المشكلة ليست هنا. المشكلة الحقيقية في المتلونين. في من يلوكون خطاب الحداثة للتباهي ولأن ذلك يعطي عنهم صورة جيدة، بينما هم محافظون حتى النخاع. في من يتحدثون عن الديمقراطية ولا يمارسونها. في من يلبسون الخطاب والمظهر الديني وهم أبعد عن القيم الدينية النبيلة.
لذلك، تبقى أخطر الفئات هي فئة أشباه الديمقراطيين وأشباه الحداثيين وأشباه المتدينين وأشباه المحافظين. يغيرون مواقفهم حسب الظرفية وحسب المُخاطَبين.
ليس عيبا أن تكون محافظا في وسط حداثي. العيب الحقيقي أن لا تتحمل مسؤولية القيم التي تعتنقها حقا؛ وأن يكون لك خطاب لا علاقة له بقيمك وسلوكياتك الحقيقية، فقط من أجل الظهور.
الكثير من الأشخاص يلوكون خطابات الحداثة والديمقراطية وحقوق الإنسان، تفاجئك تصرفاتهم وسلوكياتهم في الحياة اليومية: تعاملهم مع محيطهم الأسري، اختياراتهم الحياتية ورضوخ الكثير منهم لتقاليد المجتمع حالما يتعلق الأمر بالحياة الشخصية، بل والمطالبة بترسيخها في كثير من الأحيان؛ علاقتهم بمن هم أقل منهم شأنا... تماما كما قد نجد بعض أصحاب الخطاب الديني بسلوكيات تتنافى نهائيا مع خطابهم.
القيم الحقيقية التي نعتنقها لا تظهر على المِحك إلا في سلوكياتنا اليومية. أما الخطابات، فمن السهل أن نصنعها ونرددها جميعا.
سناء العاجي