بيحيرني دايما هذا التشبث المستميت من بعضنا للبقاء مستقرين في أوضاعنا كالشجر، يقنعك الجميع بأن الاستقرار هو أهم غاياتنا، فتحترف البحث عنه وكأنه أغلى وأندر الكنوز.
إعلان
يبدؤون بسؤال أهلك حين تولد : يا ترى إستقريتوا على إسم للمولود؟ ويسألوك لما توصل لسن يظنون إنه يسمحلك إنك تتخذ قرار تشكيل بقية حياتك .. إستقريت على كلية إيه؟! وبعديها استقريت في شغل والا لسه ؟ حتى تصل لقمة مرحلة الاستقرار الشخصي اللي بيطالبك بيه الجميع من خلال النشيد الجماعي "مش هتتجوز بأه يا حماده عشان تستقر كده و نفرح بيك" ؟
مدونة وكاتبة مصرية ساخرة تمارس مهنة الصيدلة. بدأت مدونتها "عايزة اتجوز" عام 2006 قبل أن تنشر في كتاب عام 2009 تُرجم إلى لغات عدة عالمية منها الفرنسية وعرض في مسلسل حصل على الجائزة الفضية في مهرجان الإعلام العربي وحصلت عنه عبد العال على جائزة أحسن سيناريو. تكتب منذ 2009 مقالاً ثابتاً في الصحافة المصرية.
فيس بوك اضغط هنا
وتوصل لقمة مرحلة الاستقرار الشخصي دي وبعد سلسلة من الاستقرارات تلاقي الوضع يا حماده مختلف تماما عن ما تخيلته، تلاقي الحياة بقت مملة ومرحلة الاستقرار اللي بيتكلم الكل عنها وكأنها الجنة على الأرض دي زيها زي الموت وكلاهما علينا حق.
تبتدي تسمع من الكل شعارات : ليس في الإمكان أفضل مما كان، على قد لحافك مد رجليك، إرضي وقول الحمد لله، واللي يبص لفوق يتعب، وإذا حاولت مجرد محاولة للفلفصة من أي وضع من الأوضاع المستقرة المميتة دي، ينقض الكل عليك كمعازيم الفرح الجعانين لما بينقضوا على بوفيه مفتوح.
- طب يا جماعة أنا مش مرتاح في المهنة دي وبافكر أعمل كارير شيفت وأشتغل حاجة تانية ؟
- ..إيه ؟ .. إنت اتجننت ؟ .. إنت بتشتغل وناجح ومستقر، إفرض غيرت الكارير وبعدين برضه بعد شوية ما عجبكش، هتقعد تتنطط زي فرقع لوز بأه من كارير للتاني؟
- طب يا جماعة الشركة اللي أنا فيها دي بتخنق أحلامي، أنا بافكر أسيبها وأدور على مكان جديد !
دور براحتك و"لما" تلاقي إبقى سيبها، ده كلام الناس العاقلين!
- طب يا إخوة بالنسبة لمراتي!
- لأ بأه ، إنت هتكفر والا إيه ؟ .. دي مراتك دي ست الكل، صحيح إنتوا الاتنين مش طايقين بعض بتعانوا من الخرس الزوجي والشلل الرومانسي والبكم العاطفي، صحيح عايشين تعسا ومش طايقين بعض ولا الدنيا كلها، لكن دي مراتك ومحافظة على بيتك وعيالك وبيتك مستقر، إيش ضمنك أصلا لو سيبتها تلاقي أحسن منها، مش جايز تقضي بقية حياتك وانت زي قرد قطع كده بدون خليل ولا وليف؟
... و كما يحدث في حياتنا الشخصية يحدث في كل نواحي حياتنا وما مقاومة التغيير والثورات حتى الاجتماعية منها عنا ببعيد.
في معظم قصص حياتنا في هذا الجزء العجيب من العالم في رحاب الاستقرار تموت الأحلام .. تتوقف رحلة البحث عن السعادة .. عن حياة أفضل لمن يعيشها مش بس ترضي اللي حواليه ..
في رحاب الاستقرار يخفى عنا جمال الاختيارات الأخرى اللي بنقنع نفسنا إنها مش موجودة ولو موجودة فهي مستحيلة الحدوث..
في رحاب الاستقرار ننظر لأنفسنا نظرة دونية .. هذا أنت وما تستحق ولا تستحق أفضل من ذلك!
ألم يحن الوقت بأه لإيقاف نغمة عشق الاستقرار خاصة في دول حالتها وحال أهلها ما يفرحش قوي يعني عشان يتمسكوا باستمرار الحال كما هو عليه؟ .. التغيير سنة الحياة ومع ذلك إحنا بنتعامل معاه كأثم ومع المطالب بيه كأنه كافر وفي الدرك الأسفل من النار.
اللهم ارزقنا كره الاستقرار وحب المغامرة وعشق التغيير فبدونها هنفضل دايما محلك سر ولا يمكن نطلع خطوة واحدة لقدام.
غادة عبد العال
*هذه المدونة باللغة العامية*
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك