أسأل نهى بحماس : " تيجي نحرج سوا النهاردة ؟ " .. ترد نهى بتعجب : " النهاردة إزاي؟ ما النهاردة خلص خلاص !" أرد بتعجب أكبر " خلص إيه يا بنتي؟ الساعة لسه 6" فترد فورا " آخري معاهم في البيت الساعة ٥ .. بعدها ماحدش بيسمحلي أخرج من باب الشقة" أسألها سؤال أعرف إجابته : “ قوليلي يا نهى، إنتي عندك كام سنة دلوقت؟"
نهى- وهو مش إسمها الحقيقي بالمناسبة- عمرها ٣٦ سنة، لكن ولأنها لسه بنت أي لم تتزوج بعد، أي أن طرف الحبل اللي متكتفة بيه ما زال بين إيدين أهلها وما انتقلش لسه لإيد جوزها .. فمن حق - بل و واجب- أهلها من وجهة نظر المجتمع إنهم يشدوا الحبل ويحكموا تثبيته فوق جسمها فلا تقدر تتحرك ولا حتى تتنفس وده من وجهة نظرهم فيه حماية لها .. فالأكسجين هو أكثر الأسلحة فتكا على وجه الأرض زي ما انت عارف.
مشكلة صديقتي مش مشكلة فردية بل مشكلة عامة و في حين إن النساء هم الأكتر تعرض ليها في مجتمعات ترفع شعار " ناقصات عقل ودين" إلا إن الرجال مش بعاد عنها بأي حال , هناك نوع من أنواع التشبث من الأهل بأبناءهم الصغار و الإصرار على إنهم يفضلوا صغار , مش بس حماية لهم أو عدم ثقة فيهم لكن يمكن لأن معظم الناس اللي عايشين في منطقتنا ما بيشوفوش أي إنجاز أهم من إنهم يربوا أولادهم كويس , فيه في كل شارع بيتين تلاتة فيهم بنات و شباب مهما كبروا أهاليهم بيطبقوا قبضة إيديهم عليهم , بيختارولهم الشغل و الزوج و اللبس و الأصدقاء و تمتد قبضات أيديهم في الغالب أيضا لجيل الأحفاد.
وكما يحدث على الصعيد الاجتماعي يحدث على الصعيد السياسي , كام مرة سمعنا رئيس أو حاكم دولة بيقول في خطابه الموجه للشباب إنتوا الأمل في بكره إنتوا اللي هتقودوا البلد في المستقبل ، و لما تبقي شاب و يقولولك هتقود في المستقبل ده يعني إنك مش هتقود غير لما تبقى في سنهم ، بما يعني عزيزي الشاب ، عزيزتي الشابة إن هذا المجتمع بكل من فيه قادة ومواطنين شايف إننا لازم نعيش في وضع طفولة مستمر ، نسمع الكلام و نشرب اللبن و لا نفكر و لا ناخد قرارات , و في حين إن كل دول العالم المتقدم بيقودها شباب في الثلاثينات و أحيانا في أواخر العشرينات إن ما كانش في منصب مسلط عليه الأضواء فبالتأكيد في مطابخ صنع القرار ، بيضخوا في مجتمعاتهم دماء جديدة و رؤية مختلفة و نشاط و حماس ، هنا إحنا أدمنا الدماء المتجلطة و العظام المتكلسة و الشعور البيضاء اللي بتخلي سرعة تطور مجتمعاتنا أقل من سرعة السلحفاة.
الاستفاده من خبرة الأجيال المتعاقبة بالتأكيد عنصر أساسي من عناصر بناء المجتمعات السوية لكن الاعتماد فقط عليها والرد على كل شاب عايز يساعد بأفكاره وحماسه في تغيير واقعه ومستقبله بالجملة الشهيرة : " فوت علينا بكره" ، هيخلينا شعوب وبلدان ماشيين ورقابهم ملووحة بتبص لورا بينما الدنيا كلها ماشية بتبص على أبعد نقطة في مرمى بصرهم قدام.
غادة عبد العال
*هذه المدونة باللغة العامية*