كلما تحدثتُ عن أهمية أن نكون صادقين، عراةً، شفافين، في مجتمع يدفعنا بالقوة، وفي كل لحظة، الى الكذب والادعاء والمظاهر، اعترض على كلامي أحدهم، قائلا: "لكنّ المشرفون علينا يكذبون، وقادتنا يكذبون، واقتصاديّونا يكذبون: فهل يستحقّ عالمٌ بغيض، كاذب كهذا، صدقنا؟".
بلى، يستحقّ. لأن الصدق ليس انقلابًا فرديّا فحسب. إنّه مُعدٍ، تمامًا كالكذب. إنّه تمرينٌ يعدّنا لمجابهة كلّ الترهيبات التي يضعها هذا العالم البغيض في طريقنا. إنّه زلزال قاهر ضدّ الخبث والقطيعية وغسل الأدمغة. إنّه ثورة على القمع والتسلط والظلم والعنصريّة والتعصّب والتمييز والكره. إنّه صرخة رفضٍ في وجه اللامساواة والرقابة والتطرف والاستبداد والنفاق وشريعة الغاب.
شاعرة وكاتبة وصحافية لبنانية، مسؤولة عن الصفحة الثقافية في جريدة "النهار" في بيروت. أستاذة في الجامعة اللبنانية - الأميركية وناشطة في مجال حقوق المرأة. أسست مجلة "جسد" الثقافية المتخصصة في آداب الجسد وعلومه وفنونه. أصدرت عشرات الكتب في الشعر والنثر والترجمة وأدب الأطفال لاقت صدى نقدياً واسعاً في لبنان والعالم العربي وتُرجم معظمها إلى لغات أجنبية. نالت جوائز عربية وعالمية عديدة. من آخر إصداراتها "هكذا قتلتُ شهرزاد" و"سوبرمان عربي".
فيس بوك اضغط هنا
تويتر اضغط هنا
في اختصار، يقف الصدق في وجه كلّ ما يحوّلنا إلى آلات مجرّدة من أيّ رأي وصوت وخيار.
قد يبدو كلامي هذا مثالياً، أو وعظياً، لكنه ليس كذلك: أنا أؤمن بأن النزاهة مشرّفة أكثر من المحافظة على وهمٍ بأيّ ثمن، وأن الشفافية أكثر إرضاء من التمثيل. أؤمن بأنه يجب ألاّ نسمح لأحد بأن يعرّينا من عرينا، وبأنه من الضروري أن نحرّر أنفسنا من سمعتنا ومن نظرة الناس إلينا، وبأن نرفض أن نعيش حياتنا ونحن نعمل فقط على قولبتها إرضاءً للآخرين. لن نستطيع إرضاء الجميع أصلاً: فلنعمل إذاً على إرضاء ذواتنا في الأقلّ.
لستُ بساذجة. أعلم تمام العلم أن معركتنا ضدّ الكذب ليست معركة نفوز بها مرّة ًواحدة. هي معركة دائمة ضدّ ميلنا إلى الاستسلام والإذعان والاختباء والسير في ظلّ الحائط. ميلٌ مُغرٍ، يعدنا بحياة مريحة بلا هموم، شرط أن نبيع ذواتنا فقط.
أقول: "فقط".
جمانة حداد