أتيحت لي الفرصة مؤخرا للسفر إلى إحدى العواصم الأوروبية. بعد انقضاء بضعة أيام، انتبهت لتفصيل بسيط ومهم في نفس الوقت: في تلك المدينة الأوروبية، كنت أتمشى في شوارع وأزقة المدينة بحرية كبيرة جدا. لم أخف من نظرات الرجال حولي ولا من اللصوص. القدر الأدنى من الانتباه واجب طبعا، لكن إحساس الانطلاق والحرية والأمان كان حاضرا.... وهو ما أفتقده بشدة في بلدي وفي بلدان كثيرة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.
في مدينتي، أفضل الاحتماء بالسيارة أو استعمال وسائل النقل الخاصة من سيارات أجرة وغيرها. الخوف من الفضاء العام يسكنني كما يسكن الكثير من نساء وطني ونساء أوطان أخرى في جغرافياتنا البئيسة. الخوف من التحرش والخوف من السرقة والخوف من العنف اللفظي والخوف على حقائبنا وعلى سلامتنا حتى...
كاتبة وصحافية مغربية، لها مشاركات عديدة في العديد من المنابر المغربية والأجنبية. نشرت رواية "مجنونة يوسف" عام 2003 كما ساهمت في تأليف ثلاث كتب مشتركة: "رسائل إلى شاب مغربي"، "التغطية الصحافية للتنوع في المجتمع المغربي" و"النساء والديانات". نشرت عام 2017 كتاب "الجنسانية والعزوبة في المغرب"، وهي دراسة سوسيولوجية قامت بها للحصول على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من "معهد الدراسات السياسية" في إيكس أون بروفانس بفرنسا.
فيس بوك اضغط هنا
وكأن الفضاء العام ليس من حقنا. وكأن جزءا كبيرا من رجال أوطاننا يعاقبوننا لمجرد خروجنا للفضاء العام. وكأن الفضاء العام هو فضاء ذكوري ووجود النساء فيه جريمة تستوجب في حقهن العقاب... بالكلام الجارح وباللمس أحيانا وبالعنف أحيانا أخرى...
فهل يعقل أن يصبح السفر لدول أوروبية هو المجال الوحيد لحرية التجول والملبس بالنسبة للمرأة؟ وماذا عن ملايين النساء في أوطاننا، ممن لا يستطعن السفر لدول أوروبية أو أمريكية؟ ماذا عن ملايين النساء اللواتي لا يملكن إمكانية التوفر على سيارة خاصة؟ ماذا عن ملايين النساء اللواتي تضطرهن ظروف الحياة أو حتى الرغبة الشخصية للخروج يوميا واستعمال وسائل النقل العمومية؟ هل يكون قدرهن العنف والخوف الذي نتعرض له في الشارع؟
هذا ليس خطابا جديدا من خطابات المظلومية... المرأة في بلداننا تعاني كثيرا في الفضاء العام. يسكنها الخوف والتوجس... وهذا أمر غير مقبول، رغم كل شعارات التقدير والاحترام والجوهرة المصونة والكنز الثمين... نحن النساء نعيش معاناة حقيقية في علاقتنا بالفضاء العام وبالرجل في الفضاء العام. مهما كان سننا ومهما كان شكلنا...
فمتى يتسنى لنا التجول بحرية في الرباط والقاهرة وتلمسان وبيروت وجدة؟ متى نتملك فضاءنا العام بدون خوف؟
سناء العاجي
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك