كنتُ كلّ مرّة أنوي زيارتها في منزلها، على ما اتفقنا في أحد لقاءاتنا، ... ثم أؤجّل.لا أعرف لماذا كنتُ أؤجّل. ربما لأني كنتُ أظنّها، على رغم الأعوام الكثيرة التي رحلت عنها، سوف تظلّ على قيد الحياة. إذ لطالما كانت اميلي نصرالله هنا. صامتة ولكن هنا. منسحبة، ولكن هنا. خفيّة مترفّعة، ولكن هنا. حاضرة كانت منذ طفولتي كمقطوعة موسيقية يكفيها أن تُسمَع مرّة واحدة كي تهجس بها الأذن والروح.
لكن اميلي نصرالله ما عادت هنا. منذ يومين ما عادت هنا. غادرت نفسها النبيلة، التي لم تطلب يوماً لتجد، ولم تطرق قطّ ليُفتح لها الباب. لأنها لم تكن معنية بما يوجد وراء الباب.
شاعرة وكاتبة وصحافية لبنانية، مسؤولة عن الصفحة الثقافية في جريدة "النهار" في بيروت. أستاذة في الجامعة اللبنانية - الأميركية وناشطة في مجال حقوق المرأة. أسست مجلة "جسد" الثقافية المتخصصة في آداب الجسد وعلومه وفنونه. أصدرت عشرات الكتب في الشعر والنثر والترجمة وأدب الأطفال لاقت صدى نقدياً واسعاً في لبنان والعالم العربي وتُرجم معظمها إلى لغات أجنبية. نالت جوائز عربية وعالمية عديدة. من آخر إصداراتها "هكذا قتلتُ شهرزاد" و"سوبرمان عربي".
فيس بوك اضغط هنا
ظني أن اميلي نصرالله كانت امرأة سعيدة.
وكيف لا يكون سعيداً من يشعر أنه يمتلك العالم كلّه من دون أن يملك منه قشّة؟
ظنّي أيضاً أن اميلي نصرالله كانت امرأة شجاعة.
وكيف لا يكون شجاعاً من لا يعنيه ان يلهث وراء سرابات الحياة، المادية منها والمعنوية على السواء؟
هي لم تركض وراء شيء، لأنها لم تشته شيئاً. حياةٌ عنوانها العريض العطاء والتعالي: التعالي على الكذب، على التسويات، على الممالقات، على الإغراءات الدنيا في سبيل الإغراء الأكبر، الإغراء الأعظم والوحيد لكل كاتب: ترف أن يستطيع أن يكتب ما يشاء كيفما يشاء.
وداعاً اميلي نصرالله.
ما أحوجنا إليك وإلى امثالك، إلى أدبك وإلى أدب أمثالك، إلى حياتك وإلى حياة أمثالك، لكي ننقذ ما تبقّى من لبنان.
جمانة حداد
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك