ترتدي الفنانة المشهورة الحجاب, فيتعجب جمهورها ومحبيها لكن الثقافة الشعبية تبارك فيهنئها الجميع على النور اللي نور وشها, ترتدي النقاب فيزداد تعجب معجبيها ومحبيها. لكن الثقافة الشعبية تتحرج من التعجب من ارتداء النقاب، فله قدسية كاسحة فتبارك الأخوات لأختهم التي ازدانت بالنقاب فأصبحت كاللؤلؤة المحفوظة في صدفتها، والجوهرة المغلق عليها داخل خزينة زوجها.
أما الباقون فيرفعون شعار: مش من حقكم تتدخلوا في اختياراتها الشخصية، ما تسيبوا الناس في حالها بأه، مش هي دي الحريات اللي قارفيننا تدافعوا عنها ليل ونهار، إتفضلوا بلاش نفاق واحترموها بأه" فيغلق الكل صفحة الفنانة ويلتفتةا لمصالحهم, أصل فاضيين احنا يعني؟! ما خلاص طالما ده اختيارها ربنا يسهلها.
تمر السنوات وتقرر الفنانة المشهورة أن تخلع نقابها، ثم حجابها، وإذ بنفس ذات الأشخاص اللي كانوا بيتشدقوا بالحرية الشخصية وسيبان الناس في حالها قد أقاموا سرادق العزاء، وبقت ليلة بأه.
مش مجرد الحزن والبكاء والولولة والاعتراض وبغض ومهاجمة الاختيارات اللي مش على كيفهم، لكن تطور الأمر لنزع أي صفة حسنة أو شبه حسنة عن الأخت السابقة، فيتقال كلام زي :"دي كانت وحشة دي كان إيمانها ضعيف، دي كانت فاكرة نفسها بتفهم لكن ولله ولا كانت فاهمة حاجة، إحنا كنا سايبينها بس" عشان واجهة حلوة وناس كتير بتتحجب وتتنقب على حسها، لكن هي كشخص، أعوذ بالله. دي كان إيمانها بايظ خااالص.
ثم الكثير والكثير من استمراء كشف ستر حياتها والحديث عن أحاديث زوجية خاصة تردد انها دارت بينها وبين زوجها من عينة: " ده جوزها كلمني وكان بيعيط, ويقوللي في التليفون عرضي اللي كان مستور انكشف خلاص", وكأن الفنانة المشهورة ما كانتش شخص مستقل بذاته له عرض وكرامة وعقل بيفكر وإيمان هتتحاسب على عملها على أساسه، وإنما كانت كلها على بعضها كده مش بني آدم، لكن شيء بيتحط عليه ملابس عشان بس يحفظ عرض رجل ما.
ويتضح يا ولاد إن منطق "الحرية الشخصية" ومعاني ك "الغيبة و"النميمة" مطاطة كالشراب أبو أستك منه فيه، في إيدينا نوسعه حسب حاجتنا ونضيقه على كيفنا، وأن الفجر في الخصام اللي اتعلمنا في المدرسة إنه من صفات المنافقين إنما هو وجهات نظر يعني ما تحبكوهاش بأه.
أن تتحجب حلا أو تتنقب، أو تخلع حجابها أو نقابها قد لا يهمنا في الأمر شيء، فلا لبسها للنقاب هيحولنا لمجتمع مثالي ولا خلعها للحجاب هي وبقية النساء هيتسبب في عدم رفع الغلاء.
لكن اللي بيرفعه فعلا هو أقنعة كتيرة عن وجوه كتير، هو حدث عابر لكنه زي أحداث كتيرعابرة ومش مهمة وقد تكون تافهة، إلا إنها ممكن تحط قيم ومبادئ ناس كتير تحت الاختبار، وعلى قلة أهمية الحدث لكنه قادر على إيجاد أسئلة موجهة لكل واحد فينا، أسئلة على شاكلة:
هل انت مؤمن حقيقي باللي بتبشر بيه؟ هل انتي مؤمنة حقيقي باللي بتتشدقي بإنك مؤمنة بيه؟ حريات شخصية بأه، حرمات بيوت، تقبل آخر، حفاظ ع العشرة أو مجرد إنك تدع الخلق للخالق، والا هو إيمان حسب الطالب والمطلوب؟
غادة عبد العال
مدونة وكاتبة مصرية ساخرة تمارس مهنة الصيدلة. بدأت مدونتها "عايزة اتجوز" عام 2006 قبل أن تنشر في كتاب عام 2009 تُرجم إلى لغات عدة عالمية منها الفرنسية وعرض في مسلسل حصل على الجائزة الفضية في مهرجان الإعلام العربي وحصلت عنه عبد العال على جائزة أحسن سيناريو. تكتب منذ 2009 مقالاً ثابتاً في الصحافة المصرية.
فيس بوك اضغط هنا
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك