كل فترة يخرج علينا العالم السيبري بتقليعة جديدة و تريند جديد, و لأن العالم أصبح بحق قرية صغيرة تنتشر التقليعة كالنار في الهشيم من أقصى أطراف الأرض لأقصاها, نحن حاليا نقع في النطاق الزمني لتقليعة "تحدي السنوات العشر", اللي بيطلب منك إنك تختار صورة حالية ليك وتقارنها بصورة قديمة عمرها 10 سنوات عشان تشوف الزمن عمل فيك إيه.
اللعبة كانت مسلية والنتايج كانت مرضية لناس كتير خاصة إن في مدة ال 10 سنين دول تطورت قدرات كاميرات الموبايل وفلاتر تحسين الصور وبرامج تعديلها كل يوم بتضفي جمال على الصور لم يكن أبدا موجود.
وبالتالي فالنتايج كانت لطيفة لما الناس لقت إنهم أصبحوا أحلى مع مرور الزمن، لحد هنا كان التريند لطيف وخفيف. لكنه طبعا عمره ما بيستمر كده، بدأ ناس في مقارنة صور مساحات الغابات من 10 سنين ومقارنتها بمساحتها الآن، عدد الحيوانات المعرضة للانقراض، كمية المخلفات البلاستيكية في المحيطات، المدن السورية من 10 سنين وحالتها الآن, والكثير الكثير من المقارنات الأكثر جدية من مجرد مقارنة الصور الشخصية.
وهو ما يفعله البشر عادة لما يلاقوا مجموعة منهم مستمتعين بنشاط تافه فيحبوا يلقنوهم درس إن الحياة أكثر بشاعة من إنها تسيبهم يستمتعوا بأي شيء.
لكن الدرس الأكثر جدية وجهه لينا المختصين بالتكنولوجيا لما صرحوا إن اللعبة اللي تبدوا تافهة وبريئة إنما الغرض الأساسي ليها هو تغذية خوارزمات برامج التعرف على وجوه الأشخاص وإمدادها بالمعلومات المطلوبة للتعرف على أثر الزمن وتقدم العمر على تطور شكل الوجوه.
قد يبدو الكلام أقرب للخيال العلمي منه للحقيقة لكن الحقيقة إننا بالفعل دخلنا مرحلة فئران التجارب التكنولوحية من فترة من الزمن.
فمتابعة تداعيات انتخاب دونالد ترامب كرئيس لأمريكا كل يوم بتكشفلنا إنه تم الاعتماد على شركات إلكترونية مهمتها رصد ناخبين محتملين وتغذيتهم بمعلومات مغلوطة ودفعهم للتصويت في اتجاه محدد ومعد مسبقا.
ونفس الأمر بنكتشف يوم بعد يوم إنه كمان حصل أثناء الاستفتاء على خروج إنجلترا من الاتحاد الأوروبي والمعروف باستفتاء "بريكسيت" , إذا الأمر يتعدى حتى الاستخدام التجاري للبيانات عن طريق تسويق سلع معينة زي ما كنا متخيلين، بل إن الاستغلال التكنولوجي لحساباتنا الإلكترونية وبياناتنا يمكن عن طريقه تغيير مصائر دول كاملة ويتم معاها تغيير مصير العالم بأكمله.
في المرة اللي جاية وانت بتعمل تحدي "يا ترى إنت شكل مين من الممثلين القدام" فكر للحظة إن كل الهدف منه هو رصد الفئة العمرية للناس الممكن استغلال وجودهم على الإنترنت كل يوم، وفي المرة اللي بعدها وانت بتعمل تحدي "إيه هي الدولة اللي تستحق تعيش فيها" حاول تتخيل إن فيه حد على الطرف الآخر من اللعبة بيرصد اتجاهاتك السياسية لاستغلالها في تحويل مسار حياتك عن طريق كان سؤال بتعتبرهم انت تافهين.
الأمر بهذه الخطورة واحنا مش بس فئران تجارب، دا احنا كمان زي الخرفان اللي بتساق لسكينة الجزار، وعلينا بس إننا ننتظر معاد المذبحة.
غادة عبد العال
مدونة وكاتبة مصرية ساخرة تمارس مهنة الصيدلة. بدأت مدونتها "عايزة اتجوز" عام 2006 قبل أن تنشر في كتاب عام 2009 تُرجم إلى لغات عدة عالمية منها الفرنسية وعرض في مسلسل حصل على الجائزة الفضية في مهرجان الإعلام العربي وحصلت عنه عبد العال على جائزة أحسن سيناريو. تكتب منذ 2009 مقالاً ثابتاً في الصحافة المصرية.
فيس بوك اضغط هنا
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك