في المتاحف، في الحدائق العمومية، في الشواطئ والمنتزهات، في الشوارع العامة، خلال أداء مناسك الحج والعمرة، في الأعراس والاحتفالات... ننهمك في التقاط الصور التذكارية لكي نخلد اللحظة. نلتقط الصور الفردية والجماعية والسيلفيهات... وكأننا نقبض على الزمن حتى نعود إليه في وقت لاحق.
وفي غمرة انهماكنا بتخليد اللحظة... ننسى، في أغلب حالاتنا، أن نعيش اللحظة.
نقف أمام منظر طبيعي جميل... وبدل أن نستمتع به ونملأ حواسنا به... نلتقط له الصور الكثيرة لنراه لاحقا، صورة جامدة بدون همسات النسيم ولا صوت العصافير ولا متعة الطبيعة التي كان يفترض أن نعيشها في حينها.
في الأعراس والمناسبات العائلية، أصبحنا نعيش Overdose من الهواتف الذكية التي تلتقط صور وفيديوهات العروسين... والتي قد نجدها غدا على الأنترنيت... خصوصية الحفل تنتهك بسبب أشخاص لا يحملون النية السيئة، لكنهم يعانون من نفس مرض العصر: التقاط الصور لكل التفاصيل الصغيرة والكبيرة.
في هذا المثال مثلا، ماذا عن خصوصية العروسين؟ لماذا يجب أن توجد صور وفيديوهات عرسهما على مئات الهواتف، حتى لو كانت تلفونات صديقة؟
حتى في المتاحف التي تسمح بأخذ صور بدون استعمال ضوء الإنارة... نجد الكثيرين يلتقطون صور اللوحات الفنية والتماثيل المعروضة، علما أنها جميعها متوفرة على الأنترنيت... بدل أن يستمتع بتلك التحفة الفنية أو التاريخية في حينه، بتفاصيلها الدقيقة، يلتقط لها صورة كي يشاهدها لاحقا... لماذا لا تسمتع بها الآن وفي هذه اللحظة؟
لماذا، عموما، ننسى الاستمتاع باللحظة. بالطبيعة أو الفن أو غير ذلك... ونكتفي بالتقاط الصور؟
أخذ صور للذكرى ليس أمرا سيئا في حد ذاته... بل أننا جميعا نحتاج لتفاصيل صغيرة تعود بنا للحظات وأسفار ولقاءات سابقة... المشكل حين يصبح الهدف كل الهدف، أن نأخذ الصور... وحين ننسى أننا، قبل التقاط الصور، نحتاج لأن نعيش هذه اللحظة الآن... وفي هذا المكان... وبتفاصيلها الواقعية.
سناء العاجي
كاتبة وصحافية مغربية، لها مشاركات عديدة في العديد من المنابر المغربية والأجنبية. نشرت رواية "مجنونة يوسف" عام 2003 كما ساهمت في تأليف ثلاث كتب مشتركة: "رسائل إلى شاب مغربي"، "التغطية الصحافية للتنوع في المجتمع المغربي" و"النساء والديانات". نشرت عام 2017 كتاب "الجنسانية والعزوبة في المغرب"، وهي دراسة سوسيولوجية قامت بها للحصول على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من "معهد الدراسات السياسية" في إيكس أون بروفانس بفرنسا.
فيس بوك اضغط هنا
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك