حين فازت الروائية العمانية "جوخة الحارثي" بجائزة "المان بوكر" الدولية كأول إسم عربي يفوز بالجائزة، كان من الطبيعي اندهاش رواد الوسط الأدبي العربي لفوز روائية لا تمتلك من الشهرة ما يمتلكة كتّاب وكاتبات عرب آخرون. فالشهرة والإسم الكبير بيحتلوا قمة سلم أولويات فوز أي حد بأي جايزة في وطننا العربي الجميل.
ولأن الرواية اللي اتنشرت عام 2010 لم تثر ردود أفعال كبيرة في الأوساط الثقافية العربية يمكن لقلة الدعاية المحيطة بها, لكن عندما تمت ترجمتها للغة الانجليزية قامت الترجمة بإبراز جماليات موضوعها الأصلي اللي كان بيدور عن جزء من تاريخ سلطنة عمان من خلال صياغته في شكل روائي، وتسببت في وضع الرواية المنسية عربيا تحت بؤرة الضوء العالمية، وهو اللي دفع البعض للادعاء بإن :” والله هي الرواية عادية جدا هي الترجمة اللي تستحق الجايزة لوحدها".
الحقيقة كانت ردود الأفعال العربية على الجايزة دي تحديدا فعلا محيرة, لكني تخيلت إن كل المشكلة ممكن تكون في شعور البعض بالإهانة، لأن الكاتبة اللي شهرتها ما كانتش تطال الأفق هنا وصلت لآفاق ماقدروش يوصلولها، أو الشعور بالخجل لأن الغرب اكتشفوها بينما كان الأولى إننا نقدرها هنا الأول في منطقتها.
لكني فوجئت بشيء آخر بيغلف ردود الأفعال اللي بعضها كان يقع في خانة الاستهانة وبعضها الآخر وقع في خانة الغضب، ألا وهو النفور من موضوع الجائزة كلها لأن لجنتها اختارت إنها تمنحها لكاتبة محجبة، بل إن أحد النقاد المخضرمين في الوسط الثقافي العربي وصل لإنه يصدر تصريح بيقول فيه:” إن الإبداع عمره ما يخرج من رأس محجبة”!
وهنا كانت الصدمة بالنسبة لي والصدمة الأكبر إني لقيت رد الفعل ده بيتكرر في الوسط الثقافي، نسيان تام لحبكة رواية وأحداثها وتركيز فقط على حبكة الطرحة فوق رأس كاتبتها.
هذا هو الوسط الثقافي اللي من المفترض إنه يكون واحة للحريات بعيدا عن التجبر والتضييق ووضع الحدود والأسلاك الشائكة. الوسط الثقافي اللي من المفترض إن رواده بيعلموا الناس القيم الإنسانية من حرية فكر وحرية اعتقاد وحرية اختيار. اتضح إنه عنده سطامبة واحدة للإبداع وخاصة الإبداع النسائي تحت شعار، مافيش مبدعة محجبة!
أنا كنت في فترة من حياتي امرأة محجبة، وعندما خلعت حجابي طالني من الإهانة والسب والتنكيل ما نالني من مجتمعي المحافظ اللي بيمارس الجلد المعنوي على كل من خرج عن قواعده غير المكتوبة بإنه يختار لنفسه شكل يتوافق معاه فكريا ونفسيا ويريحه.
وكنت أظن وقتها إن في المجال الثقافي سعة وبراح مش موجودين في الفضاء العام. ففوجئت إن الوسط الثقافي هو الآخر يملك جلاديه ويملك حدوده وإن براح حريته (خاصة بالنسبة للنساء) إنما هو كبراح الحريات في عالمنا العربي كله لا يتجاوز حجمه حجم خرم إبرة.
أما آن الأوان إننا نتجاوز مرحلة المراهقة في ما يتعلق بمنح الحرية لكل شخص إنه يؤمن بما يؤمن بيه ويكفر بما يكفر بيه طالما لا يضر غيره. أما آن الأوان إننا نتوقف عن تقييم النساء (فقط النساء) وعملهم وإبداعهم من خلال اختياراتهم لملابسهم؟ أو ع الأقل نزلولنا نسخة رجالي عشان احنا كمان نقدر نقيم إبداع الرجل من خلال دقنه وشنبه وبرنيطته وكرافتته.
غادة عبد العال
مدونة وكاتبة مصرية ساخرة تمارس مهنة الصيدلة. بدأت مدونتها "عايزة اتجوز" عام 2006 قبل أن تنشر في كتاب عام 2009 تُرجم إلى لغات عدة عالمية منها الفرنسية وعرض في مسلسل حصل على الجائزة الفضية في مهرجان الإعلام العربي وحصلت عنه عبد العال على جائزة أحسن سيناريو. تكتب منذ 2009 مقالاً ثابتاً في الصحافة المصرية.
فيس بوك اضغط هنا
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك