من غرائب المواقع الاجتماعية اليوم، أنك صرت تجد العشرات من الحسابات بأسماء وهمية، يعطي أصحابها لأنفسهم الحق في السب والشتم والقدح، تحت مسمى حرية النقد. بما أنك لاعب أو ممثلة أو صحافي أو كاتبة أو راقص أو باحثة معروفون، فمن حق هؤلاء أن ينزلوا فيكم شتما، باسم حرية الانتقاد.
أولا، حرية التعبير لا تعطي لأي منا الحق في سب الشخص والتدخل في حياته واختياراته الشخصية. صام. رقصت. حج. هاجرت. غير جنسه. متزوجة. مطلق... كل هذه تفاصيل شخصية لا حق لنا في التدخل فيها. الشخصية العمومية متاحة لنا في ما تنجزه في ميدان اشتغالها، وليس في كرامتها وشخصها.
كاتبة وصحافية مغربية، لها مشاركات عديدة في العديد من المنابر المغربية والأجنبية. نشرت رواية "مجنونة يوسف" عام 2003 كما ساهمت في تأليف ثلاث كتب مشتركة: "رسائل إلى شاب مغربي"، "التغطية الصحافية للتنوع في المجتمع المغربي" و"النساء والديانات". نشرت عام 2017 كتاب "الجنسانية والعزوبة في المغرب"، وهي دراسة سوسيولوجية قامت بها للحصول على شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع من "معهد الدراسات السياسية" في إيكس أون بروفانس بفرنسا.
فيس بوك اضغط هنا
ثانيا، هذه الشخصية العمومية، مهما كان ميدان اشتغالها، فهي في النهاية تملك خصلة أساسية مهما اختلفنا معها: إنها تقوم بمهامها بوجه مكشوف. قد لا تعجبنا. قد لا نتفق مع خرجاتها. قد لا يعجبنا تخصصها في ميدان فني أو علمي أو إعلامي أو رياضي... لكنها على الأقل تظهر بوجه مكشوف، بينما أغلب من يسبونها لا يملكون جرأة الكشف عن هوياتهم... يكتفون بوقاحة وجبن السب خلف أسماء مستعارة تكفل لهم ما يعتبرونه حرية...
في الحقيقة، هؤلاء يستحقون الشفقة أكثر من أي شيء آخر.
مهووسون براقصة أو صحافي أو مؤلفة أو ممثل أو باحثة... وبينما هؤلاء يسيرون في طريقهم، ينجزون أعمالا، يتطورون، يشتغلون، يسافرون... يبقى أصحاب الأسماء المستعارة كالجرذان خلف هواتفهم وحواسبيهم يراقبون سكناتهم وهمساتهم ليسبوا هذه لأنها رقصت في حفل وذاك لأنه أعلن عن مثليته وتلك لأنها تفضح مظاهر الانفصام الاجتماعي وانحدار القيم وذاك لأنه يفكر ويكتب بشكل يعاكس التيار.
للأسف... هم لم يفهموا المعنى الحقيقي لحرية التعبير والانتقاد. لكن الواقع أنه، في النهاية، لا يصح إلا الصحيح. سيستمر الفاعلون، كل في ميدانه، في التقدم والتطور. سيخلف بعضهم أعمالا فنية أو علمية أو إعلامية تحفظ اسمهم من العدم. سيساهمون، وإن بقسط ضئيل، في تطوير ميدان عملهم. سيؤثرون في مسارات أخرى... بالمقابل، ستبقى جرذان الأسماء المستعارة في مستنقعات تشبهها وتشبه نظرتها للآخرين... مستنقعات تفرغ فيها بعضا من إحساسها بالنقص والدونية.
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك