تستضيف كابي لطيف الشاعر والكاتب اللبناني صلاح الكبير ستيتية بمناسبة ترأسه لمهرجان الشعر المتوسطي الذي يعقد في مدينة سيت ويحتفي بعقدين على تأسيسه، كما يتحدث عن المتحف الذي سيخصص له في الجنوب الفرنسي تكريماً لبصماته في عالم الثقافة في فرنسا.
ستيتية مواطن شرف "سيت"
بالنسبة للمتحف الذي سيحمل اسمه في الجنوب الفرنسي قال صلاح ستيتية "تمّ اختياري من قبل مجلس مدينة سيت المتوسطية كمواطن شرف. وأنا بالفعل مرتبط بهذه المدينة وقدمت لها الكثير على الصعيد الثقافي. ومن المعروف أنها مسقط رأس الشاعر الفرنسي الكبير بول فاليري، وبأن له فيها متحفاً يطل على المتوسط. في هذا المتحف ستخصص لي قاعة، وهذا فخر لي لأن اسمي سيقترن باسم هذا العظيم خاصةً أن أعمالي مترجمة إلى لغات العالم، وهذا ما يخولني أن أكون بمثابة الشاهد على حضارة الضفة الأخرى للمتوسط.
دور الكاتب العربي اليوم
وعن دور الكتاب الفرنكفونيين من أصول عربية في التعريف بالثقافة العربية والتقارب بين الشعوب، قال ستيتية: "أظن أن للكاتب العربي باللغات الأجنبية، دور أساسي في العهد الرديء الذي نعيشه اليوم في الوطن العربي والانهيار الحضاري. حيث أنه يثبت لمثقفي الدول المتقدمة والمنفتحين على العالم بأن هناك مفكرين من أصول عربية يكتبون بلغة الغرب ببراعة ويؤثرون في الثقافة الفرنسية كما في الحوار بين الثقافات على حد سواء".
ستيتية: كلام ماكرون عني سيدخل التاريخ
حول ردة فعله على تصنيف المرشح الرئاسي الفرنسي ايمانويل ماكرون له ضمن أربعة أسماء لكبار الأدباء الفرنكفونيين، في حوارٍ لصحيفة "لو فيغارو" الفرنسية، قال الكاتب ستيتية: "لم أتصور بأن المرشح الفرنسي الذي أصبح اليوم رئيساً للجمهورية الفرنسية سيتكلم عني. في هذا المقال عن الثقافة الفرنسية ذكر ماكرون أن هؤلاء الكتاب الذين لم يولدوا على الأراضي الفرنسية، من أكثر المعبرين عن الثقافة الفرنسية. وهذا ما يدل على أن اللغة الفرنسية هي لغة خلاقة يبدع من يدخل في ثناياها لأنها منفتحة على الآخرين. وأنا اعتبرتُ هذا الكلام بمثابة لفتة إعلامية لطيفة منه، دون أن أعلم أنه سيسجل في التاريخ لاحقاً كونه صدر عن أول رئيس شاب لفرنسا.
حياة الشاعر الكبير وبصماته في فرنسا ومنطقة البحر الأبيض المتوسط
رحلة في عمق روحه وهويته
تتناول هذه المذكرات نصف قرن من الإبداع ومن العمل في مجال السياسة، وتستعيد مختلف اللقاءات التي أثَّرت في مسيرة هذا الرجل الاستثنائي. إنها حكاية بلدان وأشخاص أغنوا حياته ورافقوها. ليست مذكرات صلاح ستيتية مجرَّد جمع لذكريات وحكايات من الماضي، إنها رحلة في عمق روحه وهويته. يرى ستيتية أن لكل منا سر دفين، وهذه الصفحات هي محاولة للكشف عن خبايا ذاته وفرادتها.
شاعر، باحث وناقد فني بارز، ولد في بيروت عام 1929، درس في باريس
تحولت مدينة سيت في جنوب فرنسا إلى ورشة للشعر والموسيقى والتشكيل، خلال مهرجان الشعر المتوسطي "أصوات حية" الذي استمر تسعة أيام. وكانت المدينة مشغولة بالشعر، إذ إن الفعاليات أقيمت في أماكن متعددة من المدينة خلال مهرجانها الشعري الأكبر في أوروبا من حيث عدد الشعراء المشاركين والدول التي يمثلونها، وكذلك عدد الفعاليات التي يتضمنها، إذ اقيمت نحو 90 قراءة شعرية يوميا، وكل شاعر قدم ثماني أو تسع قراءات، امتدت على شوارع المدينة ومقاهيها ومسارحها وحدائقها، وكذلك في قوارب تجوب القناة المائية، وعلى قمة الجبل في موقع يسمى المطل "بانوراميك" المفتوح على سيت، بحيث يمكن رسم خريطة للمدينة بكل تفاصيلها من ذلك الموقع الذي يرتاده الزوار يوميا ليحظوا برؤية مشهد شامل للمدينة المسورة بالمياهوالمستلقية على شاطئ البحر الابيض المتوسط.
كما تضمن المهرجان فعاليات موسيقية وغنائية وعروضاً للحكواتي وحوارات حول محاور متعددة، من بينها الحدود والهوية والشعر ومعرض للكتاب في الساحة الرئيسة بمشاركة 100 دار نشر.
يحتفي مهرجان الشعر المتوسطي بعقدين على تأسيسه قدم نماذج متعددة للأشكال الشعرية وطريقة تقديمها، و تتمازج فيه فنون الشعر والموسيقى والأداء الصوتي والجسدي.
عاماً تلو عام يؤكد مهرجان "أصوات حيّة" الشعري الذي تحتضنه مدينة سيت الفرنسية كل صيف حضوره متوسطياً وعالمياً، بصفته أكبر تظاهرة في أوروبا تعنى، منذ تسعة عشر عاماً، بالشعر المتوسّطي المعاصر وتقديم أصوات الشعراء على اختلاف أجيالهم وأهوائهم. وغدا المهرجان فسحة للأصوات الشابة التي تحتل مواقع في المشهد الشعري المتوسطي الراهن.
وفعلاً، يتعذّر مقارنة هذا المهرجان بسائر المهرجانات الشعرية الأوروبية سواء بعدد الشعراء المدعوين سنوياً للمشاركة فيه (أكثر من مئة)، أو بجمهوره الغفير (نحو ستين ألف شخص)، أو بكثافة برنامجه الذي يتضمن أكثر من 650 نشاطاً تتراوح بين قراءات وأداءات شعرية ونقاشات وطاولات مستديرة وحفلات موسيقية ومسرحية.
حاصل في عام 1995 حاز الجائزة الفرنكفونية الكبرى، التي منحتها الأكاديمية الفرنسية، إضافة إلى جائزة الصداقة العربية الفرنسية عن كتابه "حملة النار"، وجائزة ماكس جاكوب عن "تعاكس الشجرة والصمت"، وجائزة المفتاح الذهبي لمدينة ميديريفو في صربيا.
من دواوينه : "حملة النار" (1972)، "الماء المحفوظ" (1973)، "شذرات" (1978)، "الكائن الدمية" (1983)، "ليل المعاني" (1990)، وغيره كثير.
كيف يكتب صلاح ستيتية؟ أين؟ لماذا؟ ماذا تعني له الكتابة؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عليها حوار أجراه معه بيير آهن ونشره ستيتية مؤخراً على موقعه الشخصي، وهنا ترجمته.
كيف بدأت الكتابة؟
مثل كل كاتب، اكتشف ذات يوم قدرته الرائعة على التعبير بالكلمات عن مشاعره. بالمصادفة وبالضرورة. والدي كان شاعراً، ينظم القصائد بالفصحى. يقرأ القصائد حينما ينتهي منها على والدتي التي كانت حساسة إزاء جمال الأشياء المأخوذة إلى شراك الكلمات. وقتذاك، الصبي ينصت، ولا يفهم شيئاً. متحيراً، بدأ يقلد والده. في سن السابعة، يتناول ريشته ويغمسها في الحبر القرمزي. تلك هي بداية مغامرة طويلة، طويلة للغاية، حكاية حب طويلة.
كيف تكتب؟
على طاولة واطئة، في مستودع حولته إلى مكتبة وملائم للحلم والتأمل. بيد أنني قادر على الكتابة في أي مكان، وأحياناً على ركبتي.
الكتابة، هل تعتبر عملاً بالنسبة لك؟
في بادئ الأمر، لذة نيران الإلهام حاضرة في الشعر، دوماً حاضرة حينما أكتب. ثم يأتي دور العمل: التصويب، إعادة الرؤية، التحديد، سواء عبر النثر أو الشعر، ما أريد فعلاً التعبير عنه. ثم تتبدى الأشياء، واللذة – مكظومة، خامدة – ترجع ثانية.
هل هناك شعراء شعرت بقربك منهم؟
حتماً، أمضي عبر الكبار: شكسبير، سربانتث، المتنبي، جلال الدين الرومي، ابن عربي، حيث أجني الكثير من قراءتهم. هناك أيضاً، موريس سيف، راسين، نرفال (آه، نرفال !)، بودلير، مالارميه، رامبو، كلوديل، آندريه بروتون، بيير جون جوف، و(أجيانا) رونيه شار. هناك نوفاليس، هوبكنز. إنهم عظماء. أنهم عائلتي الفكرية. ولا أنسى باشو، نصل الشعر الياباني الدقيق.
كشاعر، كيف تحيا ازدواجيتك الثقافية، بين الشرق والغرب؟ هل تحيا حول نمط التناقض أم على العكس حول التكامل؟
أحياها من دون أي صعوبة تذكر. أنا عقل معقد ولكن موحد. أمضي بين الثقافات مثل إنسان يمضي في حديقته من زهرة إلى أخرى، زهور مختلفة وإنما متقاربة بغموض.
طبعت مؤخرا جزءاً من ذكرياتك التي تذكر فيه عملك السياسي والدبلوماسي. هل تقول إن نشاطاتك في هذا المجال ساهمت في تغذية شعرك؟
تتحدث عن كتابي "الشطط" الذي صدر قبل قليل لدى مطبوعات "روبير لافون"، أحد ناشري. كتاب ذكريات يغترف من جميع المجالات، الحالمة والمادية، التي اختبرها الإنسان. مارست عملي السياسي والدبلوماسي في ظروف صعبة للغاية في بعض الأحيان: الحرب الأهلية اللبنانية الرهيبة تركت في دواخلي وفي ذاكرتي ندوباً حية وعميقة. بيد أنني أيضاً أحببت، سافرت، التقيت وترددت على أناس رائعين، كتاب من أعلى مستوى أصبحوا من أصدقائي (سيوران، مثلًا)، شعراء راقين للغاية (شحادة، بابلو نيرودا، الذي كان زميلي في اليونسكو)، مسرحيين (اونسكو)، شعراء - روائيين (جوف). كل ما جرى ألهمني، كَساني بالندى، اجتازني لكي يقبع بطبيعة الحال في أعماق ذاكرتي.
"لا ظهور إلا في التلاشي"، كتبت في "دفاتر المتأمل" (آلبان ميشيل، 2003): الشعر بالنسبة لك، طريقة وجود – عبر الجوهر – ما يتوارى؟
نعم، موضوعات الشعر لامعة، تتبدى كما الومضة وعلى الفور ترى، متحولة عبر الومضة بطريقة شبه ميتافيزيقية، تغطس في أعمق عتمات الليل. كتب رونيه شار: "إذا سكنا في ومضة، ذلك قلب الأبدية". أبدية مباغتة، أبدية مفقودة.
بقراءة قصائدك، نندهش بأهمية الإيقاع، ولكن أيَظلّ بالمكانة التي تحتلها الصور. أيهما أهم بالنسبة لك؟
الاثنان يقومان بدورهما المؤثر في الثنائية الذهنية والعاطفية، خلفهما يتراءى الأوركسترا الغامض والمشمس في العالم.
في عالم مضطرب، هل يعتبر الأدب موضوع اللامبالاة المتنامية، وبالتالي ما دور الشاعر؟
الشاعر، في عالم لا يهتم إلا بالاقتصاد، هو مدعّم الجوهري، أي الروح، العقل.
ماذا تعمل في الوقت الحالي؟
أعمل على مشروعين بناء على طلب من اثنين من ناشري، ويمثلان – في نهاية حياتي الطويلة – "مسك الختام".
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك