في عام 2012، اعتقلت السلطات السعودية الناشط في مجال حقوق الإنسان ومؤسس موقع "الليبراليون السعوديون" رائف بدوي بتهمة الإساءة للإسلام، وذلك على أثر دعوته لإلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومطالبته بمحاكمة رئيسها إبراهيم الغيث في محكمة العدل الدولية.
في 29 يوليو/تموز 2013، حُكِم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات وبستمائة جلدة، وفي 7 مايو/أيار 2014 تمَّ رفع مدة الحكم إلى عشر سنوات وعدد الجلدات إلى ألف جلدة، بالإضافة إلى إلزامه بغرامة مالية. بدأ تنفيذ حكم الجلد في 9 يناير/كانون الثاني 2015، بمعدل 50 جلدة على مدى 20 أسبوع. في 12 فبراير/شباط 2015، زارت الصحفية كاترين فرانسوا السيدة إنصاف حيدر زوجة رائف بدوي، وذلك في مقاطعة كيبيك الكندية حيث تعيش اليوم مع أولادها. من هناك، تتابع إنصاف النضال من أجل حرية زوجها. وفي اللقاء، تحكي حكاية هذه المعركة.
قصة حب وشجاعة من حديد
إنصاف حيدر امرأة شابة في الخامسة والثلاثين من العمر، تقطن في شقة صغيرة في مدينة "شيربروك" التي تبعد 130 كيلومتراً عن مونتريال، حيث تعيش اليوم مع أولادها الثلاثة، بينتين وولد، والبالغة أعمارهم 11، 10 و7 سنوات. يذهب أولاد إنصاف ورائف إلى مدرسة الحي وقد تأقلموا بشكل جيد مع حياتهم في مقاطعة كبيبك، وإن "كانت لديهم صعوبة بتحمُّل ما يحدث لأبيهم". تضيف إنصاف: "يُلِّحون علي بالأسئلة وإن لم أجبهم، يقومون بطرح الأسئلة نفسها على أساتذتهم. كل هذا يقلقني جداً". ولهذا السبب أيضاً، تتابع إنصاف حيدر نضالها : منذ عدة أسابيع وجدول أعمالها بات يشبه جدول أعمال رئيس وزراء، فهو مليء بمواعيد مع سياسيين ولقاءات مع جهات إعلامية أتت من كافة أنحاء العالم لتقابل هذه المرأة التي يقودها الحب لشن معركة صعبة وطويلة على حكم السلطات السعودية على زوجها. تقبل إنصاف هذه الطلبات باهتمام شديد، لأنها تعرف أن كل ما تقوم به قد يساهم بإطلاق سراح زوجها.
تعرَّف رائف وإنصاف على بعض بالصدفة. كان رائف قد اتصل بها بالغلط، ومع أنه أدرك أنه لا يتحدث إلى الشخص المقصود، قام بمعاودة الاتصال لأنه أُعجِب بصوتها... على مدى عام، راحا يتحدثان عبر الهاتف حصراً، إلى أن استطاعا التغلب على العديد من العقبات في بلد قد تكون قصص الحب فيه غاية في التعقيد. وهكذا، تزوجا أخيراً في عام 2001. أنجبا ثلاثة أولاد وعاشا بسلام في السعودية إلى أن أطلق رائف، وهو رجل عصري مأخوذ بالأفكار الليبرالية والديمقراطية، مدونته. بدأت المشاكل من وقتها مع السلطات السعودية، وتفاقمت الأمور في عام 2011. عندها، طلب رائف من إنصاف مغادرة البلاد. تمَّ اعتقاله بعد ذلك بسنة، ومن حينها وهو في السجن.
وجدت إنصاف في النهاية ملاذاً في كندا، وهكذا حط بها المطاف هي وأبنائها في مدينة شيربروك في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2013. تتذكر: "كنت ميتة من الرعب. لم نكن نجيد الإنكليزية ولا الفرنسية، لم نكن نعرف أحداً. كان الشهران الأولان غاية في الصعوبة. سجلت الأولاد في المدرسة، وأنا باشرت بتعلُّم الفرنسية". وسريعاً ما ذهبت إنصاف لتطرق باب منظمة العفو الدولية، لتحدثهم عن قضية رائف. منذ ذلك الحين، والمنظمة لم تتوقف عن مساندتهم، كما هو الحال بالنسبة إلى سُكَّان شيربروك الذين أخذوا العائلة تحت جناحهم. تبتسم إنصاف قائلة: "وجدت هنا عائلة ثانية. الجميع لطيف جداً وأريد أن أشكرهم. أريد أن أشكر كل الكنديين وكل سكان العالم الذين جندوا أنفسهم من أجل رائف"... في حين قامت عائلته بنبذه...
إطلاق سراح محتمل؟
منذ مطلع العام، ويوم الجمعة بات تعذيباً حقيقياً بالنسبة لإنصاف: هل سيتلقى زوجها الخمسين جلدة التي حكمت عليه بها السلطات السعودية ؟ بعد جلسة جلد أولى في 9 يناير/كانون الثاني الماضي، قامت السلطات السعودية بإلغاء بقية الجلسات التي كان من المفترض أن تحدث كل يوم جمعة على مدى عشرين أسبوع، دون أن تشرح أسباب إلغائها : هل هو بسبب وضع رائف الصحي، الذي قد يكون قد تردى جداً ولم يعد باستطاعته تحمُّل المزيد من التعذيب ؟ أم هو نتيجة الضغط الدولي من أجل الإفراج عنه ؟ إنصاف تتمسَّك بالأمل... دون أن تخفي قلقها المتزايد من تردي صحة زوجها: "معنوياته باتت بالحضيض وصحته النفسية أصبحت في خطر، فهو لا يأكل كثيراً ولا ينام جيداً. وكيف يمكن أن يكون وضعه غير ذلك وهو في السجن ولم يرَ عائلته منذ ثلاث سنوات ؟".
تحلم إنصاف باليوم الذي سيستطيع رائف اللحاق بهم فيه إلى كندا، ليعيشوا معاً حياة طبيعية. تتخيَّل الزوجة الشابة فرح اللقاء والضجة الإعلامية التي ستحيط به، قائلة: "أنا مستعدة للمشاركة في كل لقاءات العالم، إن كنا أن ورائف سنشارك بها معاً".
وصول ملك جديد إلى العرش السعودي قد يفتح باباً جديداً في قضية رائف بدوي، إذ عفا مؤخراً عن سجينين، من بينهما الناشطة التي أسست معه مدوَّنة "الليبراليون السعوديون" عام 2008. هناك شعاع أمل في الأفق، وهو يلمع في عيني إنصاف التي تعرف أنه يتحتَّم عليها متابعة النضال. وفي الختام، التفتت إلى الكاميرا ووجهت رسالة إلى زوجها، والدموع تغرغر في عينيها: "رائف، أحبك. اشتقنا إليك، عُد بسرعة، أرجوك، عُد بسرعة".
أجرت الحوار كاترين فرانسوا
الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم
اشترك